القوال و المــــــــول..غرود عالية ... الحقيقة و الخيال

القوال و المــــــــول..غرود عالية ... الحقيقة و الخيال

حكايات كثيرة يسمعها الكثير منا عن حب مستحيل او زواج مفروض عن عزلة شيخ او نواح أم من خلال تجوال القوال عبر الشوارع و الاسواق اوعن طريق الموال الذي يؤديه المطرب عند كل حفل . قصص تعدت في و صفها الخيال و اساطير لا يقوى على تصديقها العقل .لا يهمنا ان كانت من الواقع ام من نسج الخيال لانها جميلة معبرة وممتعة رغم قدمها الا انها لا زالت تردد في المجالس و الاعراس و يستغلها اهل الفن في امتاع الحضور. و عن حكاية الموال و"القوال" جاء في مجلة المهرجان على لسان الدكتور احمد زغبب بان الكثير من الأغاني التراثية تتميز بمدخل نثري موجز تفتتح الأغنية به ، فيؤديه المغني بإحساس كبير يثير انتباه المستمع إليه وهو ما يسمى بالموال. والمواويل أغلبها تراثية قديمة تعكس تجارب حقيقية لأصحابها ومردديها ، فاكتسبت شعبية كبيرة ، لما يلمسه الناس من صدق في مضامينها ، والموال في الغالب لا يقبل التلحين ، بل أن العديد من الفنانين عجزوا عن تلحينه فاكتفوا بأدائه قولا على شكل مقدمة لبعض الأغاني ، ويغلب عليه الحزن و الأسى ، يحكي قصص اجتماعية وأحيانا عاطفية حدثت في زمن مضى ، كانت نهاية أغلبها مأساوية لفراق الحبيبين منها المواويل المشهورة محليا موال

ياروح سالي على الروح للـروح بلـغ سلامـي
صارلي كالطير المذبـوح ذبحوني وفرقـوا اعظامي
كان متت ليكم مسموح وكان عشت انجدد غرامي

هذا الموال يناجي فيه العاشق الولهان محبو بته ببلاغة شديدة قريبة من التعبير المجازي عندما يصف الروح مرسال الغرام ويصف نفسه كالطائر المذبوح من وجع الفراق فإن مات ولم يبلغ مراده سامح من ظلمه وإن عاش فهو للغرام مجدد .
ومثل الموال مثل الأغاني التي تحقق أغراضا إجتماعية و أخلاقية في صورة موجزة ومعبرة وإذا كان بعض الفنانين يوظفون المواويل في الأفراح والمناسبات السارة فإن هناك مواويل لا تصلح لمثل هذه المواقف ، فكنا نسمع لموال * غرود عالية * يردده الفنان عبد الله مناعي في العديد من المناسبات فيتراقص الشباب عليه رغم أن هذا الموال بالذات يحكي مأساة إنسانية حقيقية وليست عاطفية، مثلما هو شائع لذى الكثيرين من المهتمين بالترث الغنائي السوفي .
وصاحبة هذا الموال هي مريم بنت فاطمة القطاوية تحدثنا عنها ابنة خالتها الحاجة حدي ذهب -أطال الله في عمرها - " إن مريم بنت فاطمة القطاوية امرأة عفيفة ، تعيش مع أسرتها الكثيرة الترحال من نجع إلى آخر بحثا عن موطن خصب في صحراء سوف الشاسعة ، وفي أحد الأيام بينما كانت مريم ووالدتها ونساء النجع يقمن بتحضير الكسكسي استعدادا لعرس * علي * شقيق مريم الذي نزل المدينة لشراء الكسوة والعطرية (جهاز العرس) حل بنجعهم (قبيلتهم) رجال غرباء يبحثون عن علوش ( صغير البقر ) سرق من قطيعهم فأخذوا يبحثون عنه بين السعي وداخل الخيم إلى أن عثروا عليه في حجير(خيمة صغيرة) مريم فصرخت أمها من هول ما رأته وأخذت تبكي وتندب حظ ابنتها المسكينة التي اتهمت زورا بسرقة العلوش .
لم تتحمل مريم الأمر خاصة وأنها كانت متأكدة بأنها مظلومة ولم يطق قلبها الضعيف الصدمة فسقطت ميتة .
في هذه الأثناء سمع أحد شيوخ القبيلة ضوضاء داخل النجع فاقترب ليصطدم بالفاجعة فصرخ في وجههم أن مريم بريئة وأنه شاهد امرأة من ذات القبيلة تخفي العلوش في حجير مريم خوفا من أن يكتشف أمرها.
وتحول الفرح إلى مأتم وكسوة *علي* الجديدة لم يزف بها لأن والدته أخذتها ومزقتها وصنعت منها كفن فقيدتها مريم ، وعم الحزن القبيلة فقررت الرحيل بعيدا عن الحزن والألم والمرارة ، بينما دفنت مريم بنت فاطمة القطاوية في نفس المكان إلى يومنا هذا.
من هنا تختلف الروايات حول حقيقة هذا الموال فيقال أن راعيا كان مارا مع قطيع من الخرفان ، فأخذ قسط من الراحة بالقرب من قبر مريم ، وفجأة سمع صوت يردد هذا الموال مرة واثنين وثلاث ...
غرود عالية والموت فيها وني تربتي في نجع الخلا لحتني
يا غلية شد الرسن والراحلة هريه دهم عن قبري ديره ثنية
وني في السيف لبيض لاحتني يالي ماشي سلم علي غرد مثيل الحاشي
وني في ضنتي ما زال ما وفاشي وصيت عنه الوالدة وهنتني
الدنيا من حبسها وكذب من قال كسوة علي نلبسها وجاتني واسعة وكستني

لم يكن هذا الصوت سوى صوت مريم بنت فاطمة القطاوية التي ماتت قهرا وظلما فأرادت أن تسمع صوتها وقصتها لكل من يمر على قبرها من الرعاة والبدو الرحل وظل هذا الموال يتردد لسنوات طويلة من جيل إلى آخر حتى وصل إلى الفنان عبد الله مناعي الذي أعجب به أيما إعجاب وحفظه وظل يردده إلى يومنا هذا.
ولم يكتف الفنان عبد الله مناعي بهذه الملحمة الإنسانية بل أصبح يجتهد و يبحث في التراث ليجد الكثير من المواويل ويجد نفسه و مبتغاه من خلال ترديدها في كل حفلاته وقبل كل أغنية لما تتصفه من بلاغة ،ولما لها من تأثير وجداني كبير على الجمهور الذي يتفاعل معها ويطلب إعادتها أكثر من مرة في الحفلة الواحدة.
يحدثنا الفنان عبد الله مناعي عن تجربته في دولتي البحرين وقطر حين كان يقيم حفلات في مهرجانات الخليج فكان يردد محتفظا باللهجة السوفية موال :
واش حـــال حالكــم ياودة رخاء وطنكم ولا عليكـم شدة
عــن حالكـــم نبونـــي وبجواب بعـد الشقـاء هنـوني
سهـران لجـاش النـوم لعيـوني اتوحشتكم وصعبت عليـا الردة
لاصبت نوصلكم ولاصبتو اتوجوني وهذا جـوابي رجعـولي ضمـده

ومن فرط إعجاب أهل البحرين وقطر بهذا الموال أصبحوا يلقبون فناننا عبد الله مناعي بالودة، وتحضرني عدة مواويل اشتهر بها الفنان عبد الله مناعي طوال مسيرته الفنية ويرددها في كل المحافل ومنها الحوار الشيق الذي دار بين وصيف (رجل أسود) تزوج من امرأة بيضاء لم تكن ترغب فيه فراحت تهجيه بهذا الموال :

ياطير ماكش طيري يلاقيك المكتوب وتلقى غيري
ماني من صيدتك وماني الغزال إللي تصيده مكحلتك
عكو عني النساء في مخذتك سلك الذهب ما يركب على القصـديري

ويرد عليها:

بوك وبـــو ناســـك وبو لصيده النوم فوق فراشك
هاتي الجمل وهزي عليه لباسك ياعرة النساء واش باش الديري

وموال آخر اشتهر به الفنان عبد الله مناعي يقول فيه:

ناري علـى روحـي كبـرت اتـراني ولا عاد خاطري يوجـد ماهو واني
منيـــن كنـــت ابــــزولي كانوا انـدادي ينشـد و عن زولي
واليوم اتلكمت علي الكبر كيف الغولي ايسالنـي دغينـة في الخلا لاقـاني
كانــت فـي النـــــــورة وكانت اعظامي باللحـم مستـورة
واليـوم حديثـي عـاد فيـه عـورة ما بقالي صديق بين الناس غير اللساني.

ومواويل كثير يحتفظ بها التراث الغنائي السوفي يرددها الفنانون بحسب موضوعها والمناسبة التي تليق بها . وللدكتور احمد زغبب مساهمات كثيرة للتعريف بالتراث المحلي . مواويل متميزة تنطلق في كثير من الاحيان من الحقيقة لتسبح بصاحبها في فضاء رحب اكبر من الخيال .ع.ع

» القوال والموال غرود عاليه ...الحقيقه والخيال
» استمع للقران الكريم بجودة عالية
» ياأبن ادم انت في الحقيقة سوى قلم رصاص
» الحقيقة كل ما أكتبه هنا ( مؤلم )
» عندما نمزج الحقيقة بالخيال